فصل: (البشارة الثامنة عشر):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.(البشارة الثامنة عشر):

وهذه البشارة واقعة في آخر أبواب إنجيل يوحنا، وأنا أنقل عن التراجم العربية المطبوعة سنة 1821 وسنة 1831 وسنة 1844 في بلدة لندن، فأقول: في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 15 (إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي) 16 (وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد) 17 (روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه ليس يراه ولا يعرفه وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم وهو ثابت فيكم) 26 (والفارقليط روح القدس الذي يرسله الأب باسمي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلته لكم) 30 (والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون).
وفي الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: (فأما إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق هو يشهد لأجلي) 27 (وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء). وفي الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا هكذا: 7 (لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن انطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأما إن انطلقت أرسلته إليكم) 8 (فإذا جاء ذاك فهو يوبخ العالم على خطية وعلى بر وعلى حكم) 9 (أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي) 10 (وأما على البر فلأني منطلق إلى الأب ولستم ترونني بعد) 11 (وأما على الحكم فإن أركون هذا العالم قد دين) 12 (وأن لي كلامًا كثيرًا أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن) 13 (وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلمكم جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي) 14 (وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو لي ويخبركم) 15 (جميع ما هو الأب فهو لي فمن أجل هذا قلت أن مما هو لي يأخذ ويخبركم).
وأنا أقدم قبل بيان وجه الاستدلال بهذه العبارات أمرين:
الأمر الأول: أنك قد عرفت في الأمر السابع، أن أهل الكتاب سلفًا وخلفًا عادتهم أن يترجموا غالبًا الأسماء، وأن عيسى عليه السلام كان يتكلم باللسان العبراني لا باليوناني، فإذًا لا يبقى شك في أن الإنجيلي الرابع ترجم اسم المبشر به باليوناني بحسب عادتهم، ثم مترجمو العربية عربوا اللفظ اليوناني بفارقليط، وقد وصلت إلى رسالة صغيرة في لسان أردو من رسائل القسيسين في سنة ألف ومائتين وثمان وستين من الهجرة، وكانت هذه الرسالة طبعت في كلكته وكانت في تحقيق لفظ فارقليط، وادعى مؤلفها أن مقصوده أن ينبه المسلمين على سبب وقوعهم في الغلط من لفظ فارقليط، وكان ملخص كلامه: (أن هذا اللفظ معرب من اللفظ اليوناني فإن قلنا أن هذا اللفظ اليوناني الأصل باراكلي طوس فيكون بمعنى المعزي والمعين والوكيل، وإن قلنا أن اللفظ الأصل بيركلو طوس يكون قريبًا من معنى محمد وأحمد، فمن استدل من علماء الإسلام بهذه البشارة فهم أن اللفظ الأصل بيركلو طوس ومعناه قريب من معنى محمد وأحمد، فادعى أن عيسى عليه السلام أخبر بمحمد أو أحمد لكن الصحيح أنه باراكلي طوس) انتهى ملخصًا من كلامه.
فأقول أن التفاوت بين اللفظين يسير جدًّا وأن الحروف اليونانية كانت متشابهة، فتبدل بيركلو طوس بياراكلي طوس في بعض النسخ من الكاتب قريب القياس، ثم رجح أهل التثليث المنكرين هذه النسخة على النسخ الأخر، ومن تأمل في الباب الثاني من هذا الكتاب والأمر السابع من هذا المسلك السادس بنظر الإنصاف، اعتقد يقينًا بأن مثل هذا الأمر من أهل الديانة من أهل التثليث ليس ببعيد، بل لا يبعد أن يكون من المستحسنات.
والأمر الثاني: أن البعض ادعوا قبل ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم، أنهم مصاديق لفظ، فارقليط مثلًا منتنس المسيحي الذي كان في القرن الثاني من الميلاد، وكان مرتاضًا شديدًا وأتقى عهده، ادعى في قرب سنة 177 من الميلاد في آسيا الصغير الرسالة وقال إني هو الفارقليط الموعود به الذي وعد بمجيئه عيسى عليه السلام وتبعه أناس كثيرون في ذلك كما هو مذكور في بعض التواريخ.
وذكر وليم ميور حاله وحال متبعيه في القسم الثاني من الباب الثالث من تاريخه بلسان أردو المطبوع سنة 1848 من الميلاد هكذا: (أن البعض قالوا أنه ادعى أني فارقليط يعني المعزي روح القدس وهو كان أتقى ومرتاضًا شديدًا ولأجل ذلك قبله الناس قبولًا زائدًا) انتهى كلامه. فعلم أن انتظار فارقليط كان في القرون الأولى المسيحية أيضًا ولذلك كان الناس يدعون مصاديقه وكان المسيحيون يقبلون دعاويهم. وقال صاحب لب التواريخ: (أن اليهود والمسيحيين من معاصري محمد صلى اللّه عليه وسلم كانوا منتظرين لنبي فحصل لمحمد من هذا الأمر نفع عظيم لأنه ادعى أني هو ذاك المنتظر) انتهى ملخص كلامه.
فيعلم من كلامه أيضًا أن أهل الكتاب كانوا منتظرين لخروج نبي في زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو الحق لأن النجاشي ملك الحبشة لما وصل إليه كتاب محمد صلى اللّه عليه وسلم (فقال أشهد باللّه أنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب) وكتب الجواب وكتب في الجواب (أشهد أنك رسول اللّه صادقًا ومصدقًا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب، وأسلمت على يديه للّه رب العالمين) وهذا النجاشي قبل الإسلام كان نصرانيًا، وكتب المقوقس ملك القبط في جواب كتاب النبي صلى اللّه عليه وسلم هكذا: (لمحمد بن عبد اللّه من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا إليه، وقد علمت أن نبيًّا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك) والمقوقس هذا وإن لم يسلم لكنه أقر في كتابه أني قد علمت أن نبيًّا قد بقي وكان نصرانيًا، فهذان الملكان ما كانا يخافان في ذلك الوقت من محمد صلى اللّه عليه وسلم لأجل شوكته الدنيوية، وجاء الجارود بن العلاء في قومه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: واللّه لقد جئت بالحق ونطقت بالصدق، والذي بعثك بالحق نبيًّا لقد وجدت وصفك في الإنجيل وبشر بك ابن البتول فطول، التحية لك والشكر لمن أكرمك، لا أثر بعد عين ولا شك بعد يقين، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك محمد رسول اللّه)، ثم آمن قومه وهذا الجارود كان من علماء النصارى وقد أقر بأنه قد بشر بك ابن البتول أي عيسى عليه السلام، فظهر أن المسيحيين أيضًا كانوا منتظرين لخروج نبي بشر به عيسى عليه السلام، فإذا علمت ذلك فأقول أن اللفظ العبراني الذي قاله عيسى عليه السلام مفقود، واللفظ اليوناني الموجود ترجمة، لكني أترك البحث عن الأصل، وأتكلم على هذا اللفظ اليوناني الأصل بيركلو طوس فالأمر ظاهر، وتكون بشارة المسيح في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم بلفظ هو قريب من محمد، وأحمد، وهذا وإن كان قريب القياس بلحاظ عاداتهم لكني أترك هذا الاحتمال، لأنه لا يتم عليهم إلزامًا وأقول إن كان اللفظ اليوناني الأصل بارا كلي طوس كما يدعون فهذا لا ينافي الاستدلال أيضًا، لأن معناه المعزي، والمعين، والوكيل، على ما بين صاحب الرسالة، أو الشافع، كما يوجد في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816، وهذه المعاني كلها تصدق على محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأنا أبين الآن أولًا أن المراد بفارقليط النبي المبشر به أعني محمدًا صلى اللّه عليه وسلم لا الروح النازل على تلاميذ عيسى عليه السلام يوم الدار، الذي جاء ذكره في الباب الثاني من كتاب الأعمال. وأذكر ثانيًا شبهات العلماء المسيحية وأجيب عنها فأقول:
أما الأول: فيدل عليه أمور:
(1) أن عيسى عليه السلام قال: (أولًا، إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي) ثم أخبر عن فارقليط فمقصوده عليه السلام، أن يعتقد السامعون بأن ما يلقى عليهم يعد ضروري واجب الرعاية، فلو كان فارقليط عبارة عن الروح النازل يوم الدار لما كانت الحاجة إلى هذه الفقرة، لأنه ما كان مظنونًا أن يستبعد الحواريون نزول الروح عليهم مرة أخرى، لأنهم كانوا مستفيضين به من قبل أيضًا، بل لا مجال للاستبعاد أيضًا لأنه إذا نزل على قلب أحد وحل فيه يظهر أثره لا محالة ظهورًا بينًا، فلا يتصوّر إنكار المتأثر منه وليس ظهوره عندهم في صورة يكون فيه مظنة يكون الاستبعاد، فهو عبارة عن النبي المبشر به، فحقيقة الأمر أن المسيح عليه السلام لما علم بالتجربة وبنور النبوّة أن الكثيرين من أمته ينكرون النبي المبشر به عند ظهوره، فأكد أولًا بهذه الفقرة ثم أخبر عن مجيئه.
(2) أن هذا الروح متحد بالأب مطلقًا وبالابن، نظرًا إلى لاهوته اتحادًا حقيقيًّا فلا يصدق في حقه (فارقليط آخر) بخلاف النبي المبشر به فإنه يصدق هذا القول في حقه بلا تكلف.
(3) أن الوكالة والشفاعة من خواص النبوّة لا من خواص هذا الروح المتحد باللّه، فلا يصدقان على الروح ويصدقان على النبي المبشر به بلا تكلف.
(4) أن عيسى عليه السلام قال: (هو يذكركم كل ما قلته لكم). ولم يثبت من رسالة من رسائل العهد الجديد، أن الحواريين كانوا قد نسوا ما قاله عيسى عليه السلام، وهذا الروح النازل يوم الدار ذكرهم إياه.
(5) أن عيسى عليه السلام قال: (والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون). وهذا يدل على أن المراد به ليس الروح لأنك قد عرفت في الأمر الأول أنه ما كان عدم الإيمان مظنونًا منهم وقت نزوله، بل لا مجال للاستبعاد أيضًا، فلا حاجة إلى هذا القول، وليس من شأن الحكيم العاقل أن يتكلم بكلام فضول فضلًا عن شأن النبي العظيم الشأن، فلو أردنا به النبي المبشر به يكون هذا الكلام في محله، وفي غاية الاستحسان لأجل التأكيد مرة ثانية.
(6) أن عيسى عليه السلام قال: (هو يشهد لأجلي). وهذا الروح ما شهد لأجله بين يدي أحد، لأن تلاميذه الذين نزل عليهم ما كانوا محتاجين إلى الشهادة، لأنهم كانوا يعرفون المسيح حق المعرفة قبل نزوله أيضًا، فلا فائدة للشهادة بين أيديهم، والمنكرون الذين كانوا محتاجين للشهادة فهذا الروح ما شهد بين أيديهم بخلاف محمد صلى اللّه عليه وسلم فإنه شهد لأجل المسيح عليه السلام وصدقه وبرأه عن ادعاء الألوهية، الذي هو أشد أنواع الكفر والضلال، وبرأ أمه عن تهمة الزنا، وجاء ذكر براءتهما في القرآن في مواضع متعددة، وفي الأحاديث في مواضع غير محصورة.
(7) أن عيسى عليه السلام قال: (وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء)، وهذه الآية في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 هكذا: (وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم كنتم معي من الابتداء). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء) فيوجد في هذه التراجم الثلاث لفظ أيضًا، وكذا يوجد في التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1828 وسنة 1841 وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 ترجمة لفظ أيضًا، فلفظ أيضًا سقط من التراجم التي نقلت عنها عبارة يوحنا سهوًا أو قصدًا، فهذا القول يدل دلالة ظاهرة على أن شهادة الحواريين غير شهادة فارقليط، فلو كان المراد به الروح النازل يوم الدار فلا توجد مغايرة الشهادتين، لأن الروح المذكور لم يشهد شهادة مستقلة غير شهادة الحواريين، بل شهادة الحواريين هي شهادته بعينها، لأن هذا الروح مع كونه إلهًا متحدًا باللّه اتحادًا حقيقيًّا بريًّا من النزول والحلول والاستقرار والشكل التي هي من عوارض الجسم والجسمانيات، نزل مثل ريح عاصفة وظهر في أشكال ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم يوم الدار، فكان حالهم كحال من عليه أثر الجن، فكما أن قول الجن يكون قوله في تلك الحالة فكذلك كانت شهادة الروح هي شهادة الحواريين، فلا يصح هذا القول بخلاف ما إذا كان المراد به النبي المبشر به، فإن شهادته غير شهادة الحواريين.
(8) أن عيسى عليه السلام قال: (إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأما إن انطلقت أرسلته إليكم). فعلق مجيئه بذهابه وهذا الروح عندهم نزل على الحواريين في حضوره لما أرسلهم إلى البلاد الإسرائيلية، فنزوله ليس بمشروط بذهابه، فلا يكون مرادًا بفارقليط، بل المراد به شخص لم يستفض منه أحد من الحواريين قبل زمان صعوده، وكان مجيئه موقوفًا على ذهاب عيسى عليه السلام، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم كان كذلك، لأنه جاء بعد ذهاب عيسى عليه السلام، وكان مجيئه موقوفًا على ذهاب عيسى عليه السلام، لأن وجود رسولين ذوي شريعتين مستقلتين في زمان واحد غير جائز، بخلاف ما إذا كان الآخر متبعًا لشريعة الأول أو يكون كل من الرسل متبعًا لشريعة واحدة، لأنه يجوز في هذه الصورة وجود اثنين أو أكثر في زمان واحد ومكان واحد، كما ثبت وجودهم ما بين زمان موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام.
(9) أن عيسى عليه السلام قال: (يوبخ العالم). فهذا القول بمنزلة النص الجلي لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، لأنه وبخ العالم سيما اليهود على عدم إيمانهم بعيسى عليه السلام توبيخًا لا يشك فيه إلا معاند بحت، وسيكون ابنه الرشيد محمد المهدي رفيقًا لعيسى عليه السلام في زمان قتل الدجال الأعور ومتابعيه، بخلاف الروح النازل يوم الدار، فإن توبيخه لا يصح على أصول أحد، وما كان التوبيخ منصب الحواريين بعد نزوله أيضًا، لأنهم كانوا يدعون إلى الملة بالترغيب والوعظ، وما قال رانكين في كتابه المسمى بدافع البهتان الذي هو بلسان أردو في رده على خلاصة صولة الضيغم: (إن لفظ التوبيخ لا يوجد في الإنجيل ولا في ترجمة من تراجم الإنجيل، وهذا المستدل أورد هذا اللفظ ليصدق على محمد صدقًا بينًا لأجل أن محمد صلى اللّه عليه وسلم وبخ وهدد كثيرًا، إلا أن مثل هذا التغليط ليس من شأن المؤمنين والخائفين من اللّه) انتهى كلامه فمردوده. وهذا القسيس إما جاهل غالط أو مغلط ليس له إيمان ولا خوف من اللّه، لأن هذا اللفظ يوجد في التراجم العربية المذكورة التي نقلت عنها عبارة يوحنا، وفي الترجمة المطبوعة 1671 في الرومية العظمى، وعبارة الترجمة العربية المطبوعة في بيروت سنة 1860 هكذا: (ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية الخ).
وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1825، وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 وسنة 1828 وسنة 1841 يوجد لفظ الإلزام، ولفظ التبكيت والإلزام أيضًا قريبان من التوبيخ لكن لا شكاية منه، لأن مثل هذا الأمر من عادات علماء بروتستنت ولذلك ترى أن مترجمي الفارسية وأردو تركوا لفظ فارقليط لشهرته عند المسلمين في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم، ومترجم ترجمة أردو المطبوعة سنة 1839 فإن هؤلاء أسلافه أيضًا، حيث أرجع إلى الروح ضمائر المؤنث ليحصل الاشتباه للعوام أن مصداق هذا اللفظ مؤنث وليس بمذكر.
(10) قال عيسى عليه السلام: (أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي) وهذا يدل على أن فارقليط يكون ظاهرًا على منكري عيسى عليه السلام موبخًا لهم على عدم الإيمان به، والروح النازل يوم الدار ما كان ظاهرًا على الناس موبخًا لهم.
(11) قال عيسى عليه السلام: (إن لي كلامًا كثيرًا أقوله لكم، ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن). وهذا ينافي إرادة الروح النازل يوم الدار لأنه ما زاد حكمًا على أحكام عيسى عليه السلام، لأنه على زعم أهل التثليث كان أمر الحواريين بعقيدة التثليث وبدعوة أهل العالم كله، فأي أمر حصل لهم أزيد من أقواله التي قال لهم إلى زمان صعوده. نعم بعد نزول هذا الروح، أسقطوا جميع أحكام التوراة التي هي ما عدا بعض الأحكام العشرة المذكورة في الباب العشرين من سفر الخروج، وحللوا جميع المحرمات وهذا الأمر لا يجوز في حقه أن يقال أنهم ما كانوا يستطيعون حمله، لأنهم استطاعوا حمل سقوط حكم تعظيم السبت الذي هو أعظم أحكام التوراة، الذي كان اليهود ينكرون كون عيسى عليه السلام مسيحًا موعودًا به لأجل عدم مراعاته هذا الحكم، فقبول سقوط جميع الأحكام كان أهون عندهم، نعم قبول زيادة الأحكام لأجل ضعف الإيمان، وضعف القوة إلى زمان صعوده كما يعترف به علماء بروتستنت، كان خارجًا عن استطاعتهم. فظهر أن المراد بفارقليط نبي تزاد في شريعته أحكام بالنسبة إلى الشريعة العيسوية ويثقل حملها على المكلفين الضعفاء وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم.
(12) أن عيسى عليه السلام قال: (ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع).
وهذا يدل على أن فارقليط يكون بحيث يكذبه بنو إسرائيل، فاحتاج عيسى عليه السلام أن يقرر حال صدقه فقال هذا القول، ولا مجال لمظنة التكذيب في حق الروح النازل يوم الدار، على أن هذا الروح عندهم عين اللّه فلا معنى لقوله بل يتكلم بما يسمع. فمصداقه محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإنه كان في حقه مظنة التكذيب وليس هو عين اللّه وكان يتكلم بما يوحى إليه كما قال اللّه تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} وقال: {إن اتبع إلا ما يوحى إليَّ}.
(13) أن عيسى عليه السلام قال: (أنه يأخذ مما هو لي). وهذا لا يصدق على الروح، لأنه عند أهل التثليث قديم وغير مخلوق وقادر مطلق ليس له كمال منتظر بل كل كمال من كمالاته حاصل له بالفعل، فلا بد أن يكون الموعود به من الجنس الذي يكون له كمال منتظر، ولما كان هذا الكلام موهمًا أن يكون هذا النبي مطيعًا لشريعته، دفعه بقوله فيما بعد:
(جميع ما للأب فهو لي فلأجل هذا قلت مما هو لي يأخذ). يعني أن كل شيء يحصل لفارقليط من اللّه فكأنه يحصل مني، كما اشتهر من كان للّه كان اللّه له، فلأجل هذا قلت أن مما هو لي يأخذ.
وأما الثاني أعني الشبهات التي توردها علماء بروتستنت فخمسة: